إسرائيل وآسيا الوسطى.. حدود الإيديولوجيا ووطأة المصالح

بقلم: د. فاتن الدوسري- الشرق
أمست الشراكة الاستراتيجية الوطيدة بين تل أبيب وآسيا الوسطى نموذجاً فريدا أو خاصا أو نادراً أو «غريباً»، للشراكات الاستراتيجية في العلاقات الدولية. إذ أصبحت بعض دول آسيا الوسطى أهم أو أقرب حليف في العالم الإسلامي برمته لتل أبيب، بل رغم تعدد مجالات الشراكة بين الجانبين؛ فقد أصبح مواجهة إيران محور الشراكة الرئيس من الآن وصاعداً.
يتنازع في العلاقات الدولية اتجاهان رئيسيان حول تفسير نمط العلاقات في النظام الدولي، الأول التفسيري أو الوضعي في مقدمته المنظور الواقعي، والذى يرتأي أن المصلحة هي المحدد الرئيس للعلاقات. والثاني ما بعد الوضعي وفى مقدمته المنظور البنائي، لا يغفل محدد المصلحة، لكنه يرتأي أن المحددات غير المادية كالهوية والإيديولوجيا حاسمة في تشكيل العلاقات بين الدول.
إذ على سبيل المثال، يرى أنصار هذا التيار أن صراع الحرب الباردة المستعر حاليا بين بكين وواشنطن مكمنه الرئيس الاختلاف الإيديولوجي، ومن قبله الحرب الباردة بين واشنطن والاتحاد السوفيتي، والصراع بين إسرائيل وإيران، وروسيا والغرب عموما.
والدراسة المتأنية لتلك الأمثلة تظهر صحة هذا المنظور بصورة كبيرة، إذ بالقياس أيضا على دراسة نماذج كثيرة للعلاقات الوثيقة مثل العلاقات الأمريكية الأوروبية، وشبكة التحالفات الأمريكية في المحيط الهادئ؛ تتبين أكثر صحة المنظور.
لكن على الرغم من ذلك، فوطأة المصالح في كثير من الأحيان قد تتجاوز حدود التقارب أو الاختلاف الإيديولوجي، بل قد تحول الأعداء إلى حلفاء، والعكس صحيح. والشراكة الاستراتيجية بين بعض دول آسيا الوسطى وتل أبيب مثالاً صارخاً على ذلك.
من منطلق الإيديولوجيا، يجادل البعض أن أحد كوامن الشراكة التي تقترب إلى التحالف الاستراتيجي بين الجانبين هو النظام العلماني شديد الانفتاح، وإن كان ذلك صحيحا نسبيا لكنه غير كاف أو مرضٍ-في واقع الأمر- لتفسير شراكة استراتيجية عميقة بين دولة يهودية ودولة من دول آسيا الوسطى.
من الصحيح أن العلمانية عميقة وقديمة ؛ لكنها ليس علمانية شاملة (فصل الأرض عن السماء) على غرار الاتحاد السوفيتي سابقاً الذى قيد ممارسة الشعائر الدينية في نطاق محدود للغاية لجميع الطوائف الدينية لجمهوريات الاتحاد، بل كان يدعم ويجذر الإلحاد في جميع أنشطة الحياة العامة بما في ذلك المناهج الدراسية. الشاهد في الأمر أن الشعب كأحد شعوب آسيا الوسطى شعب متدين ينظر إلى إسرائيل كدولة مغتصبة لحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية.
تتمتع دول آسيا الوسطى بخصوصية متعددة الجوانب، وفوق كل ذلك، لديها صراعات تاريخية متشعبة الأبعاد، منها ما يتعلق بتقاسم الموارد في بحر قزوين، ومنها ما يتعلق بطبيعة النظام الديني والسياسي؛ إذ أنها ليست علمانية فحسب، بل تعارض بشدة أيضا نظام ولى الفقيه في إيران وتراه «بدعة» وثمة بعد قومي للعداء يتمحور حول الأقليات.
وإزاء وطأة جميع تلك المصالح ومع اشتداد التحديات، والطموحات أيضا تطورت العلاقات مع تل أبيب رويدا رويدا إلى شراكة استراتيجية. إذ أصبحت الأخيرة الداعم الرئيس للطموحات الاقتصادية وهو ما يتجلى في التعاون في مجال الطاقة (النفط والغاز والاستكشاف) الذى يتجاوز المليار دولار سنويا.
والمساند الرئيس لها في مواجهة التحديات. إذ تعد تل أبيب من أكبر موردي السلاح لبعض عواصم آسيا الوسطى، والوسيط الأساسي عند واشنطن لتوريد أحدث الأسلحة الأمريكية لها. وفى هذا الصدد لا يمكن إغفال المساهمة الإسرائيلية القوية مقابل الدعم القوى-غير الخفي- لتل أبيب في حربها الأخيرة ضد إيران.
والجانبان حاليا في تحالف عسكري فعلي لمواجهة إيران-بحسب تقارير استخباراتية عدة- إذ تعمل تل أبيب حاليا على تدريب وتسليح هذه العواصم وتزويدها بالخبرات اللازمة.
نقلًا عن الشرق
اترك تعليقاً