1. مقالات
  2. استهداف الدوحة.. الخطأ الإستراتيجى الفادح

استهداف الدوحة.. الخطأ الإستراتيجى الفادح

783

بقلم: د. فاتن الدوسري

مثل الهجوم الإسرائيلى على أعضاء المكتب السياسى لحركة حماس فى الدوحة، حدثاً صادماً غير متوقع على الإطلاق، إلى الدرجة التى جعلت الكثير يعتقد بأنه كان بعلم وتنسيق مع الحكومة القطرية، وهذا قطعاً يخالف تماماً المنطق والحقيقة، وسيتم دحضه فى المقال. 

 الهجوم الإسرائيلى الغاشم على قطر انتهاك صارخ لسيادة دولة عضو فى الأمم المتحدة، دولة مسالمة، ومن ثم، فهو جريمة عدوان متكاملة وفقا للقانون الدولى ومبادىء الأمم المتحدة. ليس من المتصور على الإطلاق أن تتواطأ دولة على انتهاك سيادتها وقتل مواطنيها تحت أية ظرف من الظروف، لاسيما وأن القيادة القطرية تتسم بحكمة وحصافة بالغة. فالتداعيات الوخيمة الناجمة عن تواطؤ الدولة ضد سيادتها ومواطنيها، تفوق بأضعاف مضاعفة أية مكاسب أخرى حتى ولو كانت استراتيجية.

 وحقيقة الأمر، أن وجود مكتب لحركة حماس فى الدوحة، لا تتداخل فيه أية اعتبارات استراتيجية كبرى لقطر، فهو لخدمة القضية الفلسطينية، وتسهيل التفاوض والمباحثات بين الأطراف. بل والأدهى من ذلك هو ما جاء على لسان رئيس الوزراء الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثانى، بقوله الصريح المباشر عقب الهجوم “بأن مكتب الحركة قد أنشىء بطلب أمريكى إسرائيلى للتفاوض” كما قال ما مفاده أن جميع مسارات التفاوض والاتفاقات منذ 2014 وحتى المفاوضات الجارية لإنهاء الحرب فى غزة، تتم بوساطة قطرية بالتواصل مع المكتب أو أعضائه. 

 إذن، ما يمكن قوله، أن انتقال المكتب من الدوحة إلى أية عاصمة أخرى، لن يشكل خسارة استراتيجية لقطر، بل هو خسارة استراتيجية لوسيط نزيه متمرس لديه قنوات مفتوحة مع الجميع. 

 الهجوم على قطر تم بعلم أمريكا، وربما بدون رضاء أمريكى تام، بسبب الجنوح الإسرائيلى الماجن، ففى جميع الأحوال، فهو خطأ استراتيجى شديد الفداحة، وتتجلى هذه الفداحة فى صور وزوايا متعددة لا يمكن استيعابها جميعها فى المقال، سنكتفى بذكر أهمها:

 – تآكل الثقة الخليجية فى الولايات المتحدة والشراكة المتميزة الوثيقة معها. بطبيعة الحال لن يؤدى الهجوم إلى انهيار الشراكة الخليجية الأمريكية على الفور، والتى لا تنحصر فى الجانب الأمنى فقط بل أضحت شراكة استراتيجية شاملة. لكنها بالتأكيد ستدفع دول الخليج إلى إعادة تقييم هذه الشراكة على نحو جدى وعميق بحيث تتضمن-ضمن أمور أخرى- البحث عن شركاء أمنيين آخرين.

 فالهجوم سابقة خطيرة وخطأ لا يغتفر من شريك أمنى مفترض أنه مضطلع كلية بحماية أمن الخليج، ولعل قادة دول الخليج باتوا على قناعة تامة أن الجنوح الإسرائيلى بقيادة اليمين المتطرف، قد خرج عن السيطرة التامة حتى السيطرة الأمريكية، مما يزيد قناعتهم أيضا بان الشراكة الأمنية مع واشنطن باتت على المحك. 

 وواقع الأمر أن تآكل الشراكة الأمريكية مع الخليج، ستكون أضراره بالغة على واشنطن فى إطار المتغيرات والتحديات الواسعة التى يمر بها العالم عموما وواشنطن خصوصاً. فالخليج بات من أكبر الداعمين للاقتصاد الأمريكى وهو ما تجلى فى الصفقات التريليونية التى أبرمت خلال زيارة ترامب الأخيرة للخليج، والخليج الضامن الرئيس لتمديد الوجود الأمريكى فى المنطقة الذى يساهم فى الحفاظ على الهيمنة العالمية لواشنطن، الخليج يمثل مرتكزا رئيسيا فى تحالفات واشنطن الدولية لموازنة الصين وتحالفاتها المتنامية والتى برزت بقوة فى قمة شنغهاى الأخيرة، الخليج أكبر داعم لواشنطن فى محاربة الإرهاب، وأخيراً الخليج صمام الأمان للاستقرار فى المنطقة. لذا، ليس من قبيل المبالغة القول إن الهجوم خطأ استراتيجى فادح، ويبدو أن الإدارة الأمريكية قد تنبهت لذلك سريعا إذ ابدت اسفها العميق وانتقدت الضربة فى سابقة نادرة. 

– الهجوم على الدوحة قد عكس بصورة جلية نوايا إسرائيل بقيادة اليمين المتطرف، وهو ليس فقط احجامها التام عن التسوية فى غزة، بل أيضا نوايا توسعية وخطط لإشعال بؤر جديدة للتوتر فى المنطقة. إذ فيما يبدو أن الاصرار ليس فقط على خطة الترحيل الكارثية للغزاويين من خلال وأد أية فرص للتسوية، بل الشروع فى مخطط إسرائيل الكبرى غير القابل للتحقيق عبر ضرب عرض الحائط بالهجوم على قطر الذى لم يخطر على خلد أية محلل، فالرسالة واضحة سنقدم على عمل أى شىء ونضحى بكل الوسطاء والشركاء. والنتيجة الكارثية على إسرائيل قبل الجميع، الإغراق فى مستنقع من التصعيد العسكرى، تدمير مخططات التطبيع التى كانت تسير بوتيرة سريعة نسبياً، تآكل صورتها وشرعيتها الدولية بصورة خطيرة، وهو ما تجلى مؤخرا فى اعتراف 142 دولة فى الأمم المتحدة بإسرائيل من بينهم شركاؤها التقلديون مثل ألمانيا وانجلترا.

  فى النهاية، منذ ما يقرب من عقد، والكتاب والسياسيون الأمريكيون المحذرون من مغبة الانحياز الأمريكى المطلق لإسرائيل فى تزايد مطرد. إذ باتوا يصفون إسرائيل بـ «العبء” الخطير على واشنطن، الذى ضمن جملة أمور، يشتت ويبدد تركيزها وجهودها الاساسية عن قضاياها الاستراتيجية خاصة مواجهة الصين، وتساهم فى تشوية صورة وسمعة واشنطن عالميا، وتساهم فى تقويض الشراكة المتميزة مع الحلفاء. وهجوم الدوحة خير شاهد على ذلك.

اترك تعليقاً

رجوع إلى الأعلى