البيت الذي بلا راعٍ… تربّيه “السباع”

بقلم: د. عيسى فلاح العازمي
“ومَن رعى غنمًا في أرض مسبعة، ونام عنها تولى رعيها الأسد.”
مثل عربي قديم يُضرب فيمن يُهمل ما استُؤمن عليه، ويتغافل عن مسؤولياته، ثم يُفاجأ حين تضيع الأمور من يده، ويهجم الخطر من حيث لا يحتسب.
وهذا المشهد يتكرر اليوم في كثير من البيوت، حين يغيب الرجل عن دوره الحقيقي، ويكتفي بالقشور: النفقة المادية، الحضور العابر، والاهتمام الموسمي.
تراه لا يُشارك أسرته مناسباتهم، ولا يُرافق زوجته أو خواته في سفر أو زيارة، ولا يجلس مع أولاده ولا يستمع لهم.
مشغول طوال الوقت… لكن ليس بما يُفيدهم. ديوانية، مزرعة، رحلات، شاشة، قروبات…
وهم في المقابل، ينتظرون كلمة، نظرة، تفاعل، أو حتى وجود حقيقي.
ثم حين تبدأ المشاكل، أو تنكسر العلاقات، أو تظهر الفجوات، يبدأ اللوم:
“وشنو فيها؟”
“ليش تغيروا؟”
“وشنو مقصّرين عليكم؟”
والحقيقة أنه لم يُقصّر في النفقة، لكن قصّر في الحضور والمعنى والموقف.
وقد قال رسول الله ﷺ:
“كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته…”
رواه البخاري ومسلم.
الحديث واضح: الرجل راعٍ في أهله، مسؤول عنهم أمام الله.
المسؤولية هنا شاملة: تربية، توجيه، عاطفة، اهتمام، رعاية، واحتواء.
إن أول باب تتسلل منه المشاكل هو الفراغ العاطفي،
حين يشعر أهل البيت أن راعيهم لا يراهم، ولا يسمعهم، ولا يحتضنهم، ولا يتفاعل معهم،
يتحوّل البيت من حضن دافئ إلى سكن صامت… ومن حياة مشتركة إلى مجرد جدران وسقف.
وكم من فتاة وقعت في الخطأ لأنها لم تجد من يحتويها،
وكم من زوجة تذبل يومًا بعد يوم لأنها تعيش بلا تفاعل،
وكم من شاب انحرف لأنه لم يجد قدوة حقيقية في بيته.
السبع لا يهاجم قطيعًا له راعٍ حاضر، لكنه ينقضّ على الغنم السائبة.
كذلك الفتن، لا تطرق بابًا فيه أبٌ راشدٌ حاضرٌ، لكنها تدخل بسهولة حين يُفتح لها باب الإهمال والغياب.
فيا كل راعٍ… لا تُسرف في الغياب، ولا تظن أن وجودك الشكلي يغني عن وجودك الفعلي.
الحضور ليس جسدًا فقط، بل موقف، وكلمة، واهتمام، وتواصل، وسند.
لا تترك بيتك يُربّى من الخارج، وأنت على قيد الغياب… فالسباع لا ترحم
اترك تعليقاً