1. أخبار عاجلة
  2. الصين وأمن الخليج

الصين وأمن الخليج

IMG 20250715 WA0042

بقلم: د. فـاتن فريـد الدوسـري _دولة قطر

تعد الصين أكبر وأهم شريك اقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي الست، إذ لم يعد التعاون الاقتصادي مقتصر فقط على النفط كما كان قبل بداية الألفية الجديدة؛ بل رويدا رويداً اتخذت صيغة التعاون الاقتصادي طابع الشمولية سيما بعد انضمام دول المجلس لمبادرة الحزام والطريق في 2015.

فالصين أكبر مستثمر في البنية التحتية الخليجية في ضوء الرؤى التنموية الطموحة لدول المجلس كرؤية السعودية 2030، وأيضا تعد الصين أكبر مصدر لدول المجلس، وأكبر شريك في مجال الطاقة النظيفة، وشريك رئيس في المجال التكنولوجي خاصة تكنولوجيا الاتصالات، ناهيك عن التعاون النفطي حيث تزود دول المجلس خاصة السعودية الصين بأكثر من 30% من احتياجاتها من النفط والغاز. في المقابل، أمست بكين داعم رئيس في تنمية اقتصادات دول المجلس، حيث ارتفعت استثمارات دول المجلس في الصين خلال الأعوام الخمس الماضية إلى مستويات قياسية تضمنت مجالات وقطاعات عدة كالطاقة والزراعة والأغذية وقطاع البنوك.

مع تنامى العلاقات الاقتصادية بين بكين ودول المجلس بشكل مطرد عام بعد الآخر، يثار نفس السؤال المتكرر وإن كان بصيغ مختلفة: هل ستحل بكين محل واشنطن كضامن رئيس لأمن الخليج؟ أو هل سيكون لبكين مساهمة قوية في أمن الخليج؟

والحقيقة إن طرح هذا السؤال يحمل كثيراً من الوجاهة في ظل معطيات قوية أهمها: التراجع اللافت لدور واشنطن التقليدي في المنطقة، ومصالح الصين الواسعة في الخليج والتي تستدعى بالضرورة دوراً أمنيا موازياً لحمايتها. ويأتي على راس هذه المصالح أو الاعتبارات الأهمية المحورية لمنطقة الخليج برمتها في مبادرة الحزام والطريق والتي تعدها الصين أهم مبادرة لها، أو مشروع القرن كما وصفها الرئيس “شى جين بينج”. إذ وفقا للخبراء، تعد منطقة الخليج عقدة فاصلة في إنجاح المبادرة عالمياً، أي توسع نفوذ الصين عالمياً تمهيداً للقيادة الدولية على المدى البعيد، وذلك بالنظر لموقعها الجيوستراتيجي الرابط بين ثلاث قارات، ومكانتها الاقتصادية والطاقوية والتجارية والدينية الخطيرة.

وواقع الأمر، أن قضية أمن الخليج باتت معضلة عويصة لدول الخليج، وواشنطن، ونجزم أيضا لبكين. فدول المجلس بسبب قدراتها الصلبة المحدودة، وتوسطها في محيط شديد الاضطراب والأطماع؛ تحتاج دائما إلى شريك عسكري قوى ضامن لأمنها وسيادتها. وواشنطن لا تزال ترى مصلحة قوية لتمديد بقائها القوى في المنطقة خاصة بعد الحرب الأوكرانية وعودة أهمية عامل الطاقة من جديد؛ لكنها في الوقت عينه تحتاج إلى تركيز كل الجهود لمواجهة التحدي الصيني العنيد.

أما بالنسبة لبكين، فأمن الخليج لها يشكل تحدى ذات زوايا متعددة متشابكة؛ من حيث المبدأ، تتبنى الصين عقيدة من الصعب مخالفتها -في المدى المتوسط على الأقل- ترتكز على الرفض التام لدور أو مشاركة عسكرية واسعة، أو دور ضامن أمنى إقليمي في أية منطقة في العالم، أو وفقا للعقيدة الصينية “خارج حدود الصين”. إلى جانب ذلك، تعد الصين فعلياً من أكبر المستفيدين من الوجود العسكري الأمريكي في الخليج، إذ كما قال أوباما “راكب مجانى” تضمن حماية مصالحها مجانا، ومن منطلق برجماتى، ترى بكين أن لعب دور أمنى كبير في المنطقة سيبدد جهودها في مواجهة واشنطن في الباسيفيك، وسيساهم في زعزعة سياسة الحياد الإيجابي والوقوف على مسافة واحدة من الجميع التي تنتهجها، فالصين في الخليج على سبيل المثال، ترى أن علاقاتها الاستراتيجية مع إيران لا تقل أهمية عن دول المجلس.

تلك التحديات بالطبع تحول دون توسع عسكري للصين في المنطقة على غرار واشنطن، لاسيما وأن ذلك سيؤدى إلى صدام مع واشنطن. لكن هذا لم يمنع بكين من محاولات الاضطلاع بدور في أمن الخليج خاصة مع تراجع دور واشنطن بصفة عامة في المنطقة، وضرورة حماية مصالحها الاقتصادية خاصة مبادرة الحزام والطريق.

تسعى الصين منذ 2020 إلى الدفع بحلول يمكن وصفها بالمبتكرة لأمن المنطقة بصفة عامة. وتتبدى أهم هذه الحلول في ما يسمى “مقاربة الاستقرار عبر الاقتصاد والتنمية”، إذ تسعى بكين إلى إقناع دول المنطقة بأن تكريس التعاون الاقتصادي وتعميم المنفعة المشتركة هو الطريق الوحيد للاستقرار ونزع فتيل الصراعات المذهبية المتفشية في المنطقة، وتستغل بكين شراكاتها الاقتصادية القوية مع جميع دول المنطقة للدفع في هذا الاتجاه، إذ باتت وسيطاً نشطاً بين الدول المتنازعة لتعزيز التعاون الاقتصادي بينهما.

ومن الحلول أيضا هي فكرة “إدارة الصراعات” وليس حلها، والمثال العملي الأبرز هو نجاح الصين في تطبيق العلاقات بين السعودية وإيران في 2023، وذلك من منطلق إقناع الطرفين بفكرة التعاون وإيجاد أرضيات مشتركة مفيدة للطرفين في ظل استمرار الصراع المعقد الذى يصعب حله. فالصين ذاتها في حرب باردة شرسة مع واشنطن لكن تكمن المفارقة هنا في كونها أكبر شريك تجارى لها في الوقت نفسه.

ما تقوم به بكين من حلول مبتكرة أمراً جيداً لأمن المنطقة عموما لا شك في ذلك، لكن بالنسبة لدول الخليج بصفة خاصة، غير مرضى أو كاف أو مقنع لضمان أمنهم. إذ تيقنوا علم اليقين بأن التعويل على الصين لحماية أمن الخليج، أو أن تحل محل واشنطن بات أمراً مستحيلاً.

وبالتالي، لا يزال لا بديل للخليج سوى واشنطن، ويتبدى ذلك من عدة شواهد قوية ومنها: تعزيز الشراكات الأمنية لدول الخليج مع واشنطن ففي 2023 على سبيل المثال وقعت البحرين مع واشنطن اتفاقية الدفاع العام، كما تسعى السعودية إلى إبرام معاهدة أمنية مع واشنطن، ناهيك عن ذلك، لاتزال واشنطن أكبر مورد للسلاح لدول الخليج.

خلاصة القول، إن قيام بكين بلعب دور أمنى عسكري واسع في الخليج-تتطلع إليه دول الخليج- أمر غير مرجح على الإطلاق على الأقل خلال عقد من الآن، إذ لا يزال هناك بديل أمام الخليج سوى واشنطن، لكنه بديل مر مكلف للغاية يتطلب ترضيات مالية باهظة، وسياسية خاصة على صعيد ملف التطبيع.

التعليقات

فاطمه المشخص
منذ شهرين

موضوع ممتاز وكاتبه متالقه دائما ومواضيعها بالصميم … بالتوفيقد

amal omar
منذ شهرين

تحليل رائع بالتوفيق

ميساء
منذ شهرين

ما شاء الله ربي يحفظج صح اللسانج

اترك تعليقاً

رجوع إلى الأعلى