الكل متضايق!

بقلم | د. عيسى فلاح العازمي
تمر على المجالس، تقرأ في التغريدات، تسمع من المقربين، فتجد الشكوى لغة الجميع، والضيق شعورًا مشتركًا بين الكبير والصغير، الغني والفقير، الرجل والمرأة.
الكل يقول: مالي خلق، طفشان، متضايق، كاره الدنيا.
فهل يا ترى تغيرت الدنيا؟
أم تغيّرنا نحن؟
تطفو على السطح تساؤلات كثيرة:
•لماذا أصبح الضيق سمةً سائدة في هذا العصر؟
•لماذا لم نعد نجد من يحمد الله ويشكره بصدق، لا باللسان فقط؟
•هل كثرة النِّعم جعلتنا نعتادها فلم نعد نحسّ بها؟
•هل غرقنا في الماديات حتى اختنقت أرواحنا؟
•أم أن الحياة أصبحت فعلاً قاسية حدّ الخنق، فلم تترك لنا فرصة للتنفس؟
بل لعل من أكبر الأسباب: السوشيال ميديا،
دمرت القلوب قبل أن تُدمنها العيون، وأفسدت الراحة النفسية من حيث لا نشعر.
أصبح الرجل يقارن نفسه بغيره في كل شيء…
وأصبحت المرأة ترى حياةً مصنوعة ومفلترة فتكره واقعها الحقيقي.
النتيجة؟
أزواج متباعدون، عقول مشوشة، قلوب ممتلئة بالحسد، وعيون لا ترى إلا ما ينقصها.
وكل هذا… على مدار الساعة.
دراسات حديثة تؤكد أن السوشيال ميديا تزرع القلق، وتضرب تقدير الذات، وتخلق وهم السعادة الكاذبة.
منظمة الصحة العالمية صنّفت الاكتئاب كأحد أكثر أسباب العجز انتشارًا.
ودراسة أمريكية عام 2018 توصّلت إلى أن تقليل استخدام هذه التطبيقات إلى نصف ساعة يوميًا يساهم في خفض القلق والشعور بالوحدة.
والسؤال الجوهري:
لماذا نحن، في مجتمع آمن، مستقر، يعيش في رخاء نسبي، لا نشعر بالراحة ولا نُجيد الشكر؟
ربما لأننا فعلاً أعرَضْنا.
قال تعالى:
“وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا”
فكيف نريد سعة الصدر، ونحن مقطوعون عن الذكر؟
وقال ﷺ: “من أصبح منكم آمنًا في سِرْبه، معافًى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا”.
فهل نحن نُدرك ذلك فعلاً؟
أم أن الجحود طمس البصيرة؟
لسنا بحاجة إلى رفاه أكثر… بل إلى وعي أعمق.
نحتاج أن نُعيد ترتيب الداخل، أن نغلق الضوضاء، أن نُكثر من الذكر، أن نرى النِّعمة بعين الامتنان لا بعين المقارنة.
نحتاج أن نُربّي أبناءنا على الحمد، لا على التذمّر.
أن نُعلّمهم: “ليس كل ضيق اكتئاب”، وأن “الشعور بالنعمة يبدأ من القلب، لا من الجيب”.
في زمنٍ كثرت فيه الشكوى، صار الشكر عملاً نادرًا.
وفي زمنٍ ازدادت فيه وسائل الراحة، قلّ الراحة!
فما أغرب الإنسان… وما أوسع رحمة الله.
اترك تعليقاً