1. مقالات
  2. حرب جديدة بين إسرائيل وإيران أمر لا مفر منه

حرب جديدة بين إسرائيل وإيران أمر لا مفر منه

IMG 5275

 بقلم: دينيس كوركودينوف، المدير العام للمركز الدولي للتحليل السياسي والتنبؤ

أصدر وزير دفاع الاحتلال الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، تعليماته رسميًا للجيش بوضع خطة عملياتية جديدة ضد إيران، مؤكدًا أن الضربات السابقة لم تكن سوى “البداية”. في المقابل، تستعد إيران علنًا لصد العدوان عبر إعادة بناء مصانع الصواريخ المدمرة وتعزيز تحالفاتها الإقليمية. وتشير تقديرات المراقبين إلى أن مواجهة عسكرية مباشرة جديدة بين الجانبين قد تندلع خلال الأشهر المقبلة، وربما قبل ديسمبر 2025، في جولة يُتوقَّع أن تكون أشد شراسة ودموية من سابقاتها.

دخلت أزمة الشرق الأوسط مرحلة حساسة غير مسبوقة، إذ يقدّر المحللون احتمال اندلاع صدام عسكري واسع النطاق بين إسرائيل وإيران بمستوى مرتفع للغاية. ووفقًا لمصادر مطلعة على الوضع في مجلس الوزراء الإسرائيلي، فإن الخطط العملياتية لضرب أهداف داخل الأراضي الإيرانية باتت في درجة عالية من الجاهزية. ويرى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، عبر الباحث فرزين نديمي، أن هذا التصعيد السريع والانهيار الفعلي لآليات الردع الدبلوماسي يعجّل من الأفق الزمني للمواجهة.

في سبتمبر 2025، بدأت الترويكا الأوروبية عملية إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن على إيران عبر آلية “سناب باك”، ما جعل استئناف نظام عقوبات شامل أمرًا شبه حتمي، خصوصًا فيما يتعلق ببرنامجها النووي. وباتت طهران تحتفظ بحقها في الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وفي ظل ذلك، رفض الرئيس الإيراني، مسعود بيزيشكيان، الاقتراح الأمريكي بتأجيل العقوبات لثلاثة أشهر، ليغلق بذلك آخر نوافذ المناورة الدبلوماسية.

تتحرك إيران في مواجهة هذا الضغط الخارجي بعدة اتجاهات متشابكة، أهمها تعزيز التحالفات الإقليمية، وهو ما تجلى بوضوح في مذكرة الأمن الموقعة مع العراق في أغسطس، والتي أكد سكرتير مجلس الأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، أن جوهرها “عدم استخدام أراضي أي بلد ضد بلد آخر”، في إشارة مباشرة للولايات المتحدة وإسرائيل. وفي الوقت ذاته، واصلت طهران تعزيز جاهزيتها العسكرية، كما يظهر في تصريحات رئيس الأركان، عبد الرحيم موسوي، وقائد الحرس الثوري، محمد باكفور، حول الاستعداد الكامل للرد الصارم على أي تهديد.

ويرى المراقبون أن إيران، التي حددت مدى صواريخها عند 2000 كيلومتر منذ سنوات، ربما أجرت اختبارًا لصاروخ باليستي عابر للقارات. وإذا تأكد ذلك، فسيعيد تشكيل التوازن الاستراتيجي جذريًا، مانحًا طهران القدرة على تهديد ليس فقط إسرائيل، بل أي عاصمة أوروبية. وتتعمد طهران ترك هذه المسألة في حالة ضبابية، كجزء من حرب نفسية مدروسة.

من جانبها، تواصل إسرائيل التصرف وفق منطق “الردع الوقائي”، لكنها تواجه في المقابل إدانة دولية متزايدة. وتعتمد استراتيجيتها العسكرية على ضربات دقيقة ضد أهداف حيوية، كما حدث في “حرب الـ12 يومًا” في يونيو 2025، حين قصفت منشآت نووية إيرانية. غير أن تقديرات الاستخبارات الأمريكية تشير إلى أن هذه الهجمات أخّرت البرنامج النووي الإيراني لبضعة أشهر فقط، ما يثير شكوكًا حول فعالية الحملات الجوية وحدها.

أما على الصعيد الدبلوماسي، فتواجه إسرائيل عزلة متنامية. فقد اعترفت عدة دول غربية كبرى بدولة فلسطين، بينها بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا والبرتغال، في خطوة وصفها مراقبون بـ”تسونامي دبلوماسي” ضد حكومة نتنياهو، التي ردّت واصفة الاعتراف بأنه “استسلام للإرهاب”. وردًا على ذلك، بادر الاتحاد الأوروبي إلى تعليق اتفاقية الشراكة ومراجعة التعاون الثنائي مع إسرائيل.

ورغم الغموض الذي يحيط بالخطط العملياتية للطرفين، فإن منطق الأزمة يوحي بتكرار نماذج المواجهات السابقة على نطاق أوسع. إذ من المرجح أن تتركز الضربات الإسرائيلية على منشآت نطنز وفوردو وأصفهان النووية، ومراكز تطوير الصواريخ، إضافة إلى مواقع الحرس الثوري، باستخدام الطيران عبر أجواء الدول المجاورة وصواريخ كروز. في المقابل، قد تبدأ إيران وحلفاؤها برد صاروخي كثيف على الأراضي الإسرائيلية، مع تفعيل جبهات “الوكلاء” مثل حزب الله، ثم الانتقال لاحقًا إلى استهداف الملاحة في مضيق هرمز وشن هجمات سيبرانية، ما سيؤثر مباشرة على أسعار النفط العالمية.

يتسم الوضع الراهن بدرجة عالية من الغموض وعدم اليقين. فمساحة الدبلوماسية تكاد تكون مستنفدة، بينما ارتفعت الاستعدادات العسكرية والخطاب العدائي إلى مستويات خطيرة. وما يزال الرادع الأبرز هو إدراك الطرفين أن المواجهة المباشرة ستكون كارثية على الأمن الإقليمي برمته، دون أن تحقق لأي منهما ميزة استراتيجية حاسمة. ومع ذلك، وكما أثبت تاريخ صراعات الشرق الأوسط، قد يتغلب منطق التصعيد أحيانًا على صوت العقل.

اترك تعليقاً

رجوع إلى الأعلى