حين يسبق العقل الطفولة… كيف نتعامل؟

بقلم: د. عيسى فلاح العازمي
قد يفاجئك طفلك أحياناً بأسئلة عميقة تفوق سنه، أو بقدرة لافتة على التحليل والتفكير، كأن يطرح تساؤلات فلسفية عن الكون والحياة والموت، أو يتحدث وكأنه راشد في جسد صغير. حينها تشعر أنه يمتلك عقلاً أكبر من عمره. هذه الظاهرة ليست نادرة، بل تُعرف بـ النضج العقلي المبكر أو ما يسميه البعض “الطفل الموهوب”. إنها هبة جميلة، لكنها في الوقت ذاته تحدٍّ يحتاج إلى وعي في التعامل.
الطفل ذو العقل الناضج غالباً ما يكون حساساً تجاه المواقف، قادراً على قراءة المشاعر وفهم ما يدور حوله بوعي يسبق أقرانه. لكنه قد يواجه صعوبات، مثل شعوره بالوحدة أو اختلافه عن أصدقائه، أو ثقل توقعات الكبار التي تفوق طاقته.
وهنا يبرز دور الوالدين: عليهم أن يمنحوه حرية التعبير، وأن يوازنوا بين حاجته للتفكير العميق وحقه في عيش طفولته ببساطة ومرح. فالعقل الناضج يحتاج إلى بيئة داعمة تحترم أسئلته وتفتح له أبواب المعرفة، من دون أن تحرمه من اللعب والخيال والبراءة.
وقدوتنا في ذلك رسول الله ﷺ؛ فقد كان يحاور الأطفال ويستمع إليهم، ويجيب أسئلتهم بصدق وبساطة، كما فعل مع ابن عباس حين قال له: «يا غلام، إني أعلّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك…»، فغرس فيه معاني عظيمة رغم صغر سنه. هذا الموقف يعلّمنا أن الطفل الموهوب بحاجة إلى من يوجه عقله المبكر برفق، دون أن يُحرم من طفولته ومرحها.
إن وُهب طفلك عقلاً أكبر من عمره، فهي نعمة تستحق الرعاية. لكنها تحتاج إلى وعي وتوازن؛ فالذكاء المبكر قد يصنع قادة ومبدعين، غير أنه لا يكتمل إلا إذا عاش الطفل طفولته بكل تفاصيلها البريئة. التربية الذكية هنا هي التي تجمع بين إطلاق طاقاته الفكرية والحفاظ على براءته وحقه في اللعب والمرح.
Dr_Essafala7 @
اترك تعليقاً