خاص “وربة”.. ترامب مات – ترامب على قيد الحياة

بقلم : دينيس كوركودينوف، الرئيس التنفيذي للمركز الدولي الروسي للتحليل السياسي والتنبؤ “DIIPETES”
تسبب عنوان “مات ترامب” في حالة من الذعر على الساحة العالمية استمرت يومين، خصوصًا مع غياب الرئيس الأمريكي عن الظهور العلني منذ الثلاثاء الماضي. وجاءت الشرارة الأكبر يوم 27 أغسطس 2025 حينما أثار نائب الرئيس، جي دي فانس، في مقابلة مع USA Today موضوع استعداده لتولي قيادة الولايات المتحدة في حال وفاة ترامب، وهو ما وُصف بأنه “المسمار الأخير في نعش الشائعات”.
خلال الـ48 ساعة الماضية، شهدت الأسواق المالية العالمية تقلبات حادة، فيما كثّفت القنوات الدبلوماسية بين واشنطن وعواصم العالم نشاطها بشكل غير مسبوق. السبب كان موجة من الشائعات الفيروسية حول وفاة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، غذّاها غيابه عن المشهد العام والتصريحات الغامضة لفانس حول جاهزيته لتولي السلطة. لكن تحليلات معلومات مسرّبة من دوائر مقربة في البيت الأبيض والخدمة الطبية للرئيس والاستخبارات الأمريكية وفريق الخدمة السرية كشفت أن الوضع أكثر تعقيدًا وتعددًا للأوجه.
الحالة الصحية للرئيس، البالغ من العمر 79 عامًا، مثار قلق طبي لكنها لا تمثل خطرًا مباشرًا على حياته. فهي مزيج من أمراض مرتبطة بالشيخوخة تتطلب مراقبة مستمرة، وتؤثر جزئيًا على أنشطته العامة.
المقابلة التي أجراها نائب الرئيس فانس يوم 29 أغسطس كانت نقطة التحول. فعند سؤاله بشكل مباشر قال: “إذا وقعت مأساة مروعة، لا قدّر الله، فلا أتصور تدريبًا عمليًا أفضل مما حصلت عليه خلال منصبي كنائب للرئيس.” وأكد أن خبرته على مدار 200 يوم في المنصب صقلت لديه مهارات إدارة الدولة. ورغم أنه حرص على التأكيد بأن “ترامب بصحة ممتازة”، فإن تصريحاته فُسرت عالميًا كإشارة ضمنية على وجود أزمة صحية خطيرة، ما غذّى الذعر في الأسواق وأثار موجة من الشكوك الجيوسياسية. غير أن مصادر بمجلس الأمن القومي أوضحت أن هذه التصريحات جزء من بروتوكول تدريبي روتيني لضمان استمرارية الحكم.
من الناحية الطبية، يخضع ترامب لفحوص دقيقة منذ تشخيصه في يوليو 2025 بـ القصور الوريدي المزمن، وهو مرض شائع بين كبار السن يتمثل في ضعف تدفق الدم من الأطراف السفلية مسببًا تورمًا في الكاحلين. التقرير الطبي الرسمي أوضح أنه لا توجد علامات على جلطات أو أمراض في الشرايين أو قصور في القلب أو الكلى. ووفق تصريحات خبراء مستقلين، المرض مزمن لكنه غالبًا ما يكون خفيفًا ويمكن السيطرة عليه.
أما الكدمات الملحوظة على يديه، ففسرها البيت الأبيض بأنها نتيجة المصافحات المتكررة من جهة، وتناول الأسبرين كجزء من علاج وقائي للقلب من جهة أخرى، ما يجعل النزيف تحت الجلد أكثر احتمالًا حتى مع إصابات طفيفة.
إلى جانب الجانب الجسدي، تتركز المخاوف على الجوانب المعرفية. تقارير صحفية دولية، منها الغارديان، أشارت إلى أن خطابات ترامب الأخيرة اتسمت بفقدان التسلسل وتكرار الاستطرادات العشوائية. مثال ذلك حديثه في اجتماع حكومي مطول عن ديكور القاعة، أو تحوله المفاجئ في لقاء مع أورسولا فون دير لاين من ملف الهجرة إلى “طواحين الهواء”. خبراء علم النفس وصفوا هذا السلوك بأنه علامات تشتت وضعف إدراك، بل وظهرت أعراض “الخلط”، حيث يستحضر ذكريات زائفة مثل ربطه عمه الراحل جون ترامب بـ “Unabomber”، رغم أن الوقائع التاريخية لا تسمح بذلك.
رغم هذه الملاحظات، تؤكد إدارة البيت الأبيض أن الرئيس يتمتع بـ”قدرات معرفية وجسدية ممتازة”، مستندة إلى فحص طبي رسمي في مستشفى والتر ريد. في المقابل، يطالب بعض السياسيين الديمقراطيين، مثل النائبة ياسمين كروكيت وحاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم، بإجراء فحص مستقل جديد.
من منظور الأمن القومي، لا يمثل الوضع الحالي فراغًا في السلطة. فالبروتوكولات التي ينظمها التعديل الخامس والعشرون للدستور الأمريكي واضحة: تنتقل السلطة مباشرة إلى نائب الرئيس في حال العجز أو الوفاة. تصريحات فانس الأخيرة، وفق مصادر في الخارجية، هي مجرد تذكير علني بهذه الإجراءات.
رغم صغر سنه (41 عامًا)، يتمتع فانس بخبرة عسكرية وسياسية معتبرة، من خدمته في قوات المارينز ومشاركته في حرب العراق، إلى عمله في مجلس الشيوخ، ودراسته للقانون في جامعة ييل. ويُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره الوريث السياسي الأكثر ترجيحًا لترامب في انتخابات 2028.
التحليل النهائي يشير إلى أنه لا يوجد تهديد مباشر لحياة ترامب، وأن أمراضه الجسدية يمكن السيطرة عليها طبيًا. لكن التحدي الحقيقي يكمن في إدارة صورة الرئيس أمام الرأي العام وضمان الثقة في قدرته على أداء مهامه. وبينما تواصل المؤسسات الأمريكية عملها بانسيابية، فإن أي إشارات إلى ضعف صحي أو معرفي تستغلها القوى السياسية والإعلامية داخليًا وخارجيًا.
الخلاصة: ترامب ما زال حيًا ويمارس مهامه، لكن الجدل حول صحته سيبقى عاملاً محوريًا في تشكيل الأجندة السياسية الأمريكية خلال الأشهر المقبلة.
اترك تعليقاً