خريطة أولمرت وعباس.. فرصة سلام ضائعة أم تكتيك سياسي؟

لطالما شهد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مبادرات سلام متكررة، بعضها حمل وعودًا بحل نهائي، بينما تلاشى البعض الآخر قبل أن يصل إلى طاولة التنفيذ. غير أن بعض العروض تظل عالقة في الأذهان، ليس لما حققته، بل لما فشلت في تحقيقه.
من بين هذه العروض، تبرز “خريطة أولمرت”، التي قدمها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس عام 2008، في محاولة لتقديم حل شامل للصراع. لكن هذه الخطة لم تُنفذ، وظلت حبيسة الكواليس حتى كُشف عنها لاحقًا، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت فرصة حقيقية ضائعة أم مجرد خطوة تكتيكية في لعبة سياسية أكبر.
تفاصيل العرض الإسرائيلي.. تبادل أراضٍ وعاصمتان للقدس
في 16 سبتمبر 2008، اجتمع أولمرت وعباس في القدس، حيث عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي خريطة تتضمن اقتراحًا بتبادل الأراضي، بحيث تضم إسرائيل 4.9% من الضفة الغربية مقابل منح الفلسطينيين مناطق تعادل المساحة نفسها بالقرب من الضفة الغربية وقطاع غزة.
كما اقترحت الخطة تقسيم القدس إلى عاصمتين، بحيث تحتفظ إسرائيل ببعض أجزائها، فيما يكون للفلسطينيين عاصمتهم في الأحياء الشرقية. أما البلدة القديمة والحرم الشريف، فكان من المفترض أن تخضع لإدارة لجنة دولية تضم إسرائيل، فلسطين، الولايات المتحدة، السعودية، والأردن.
التوقيع الذي لم يحدث.. رفض أم تأجيل؟
طلب أولمرت من عباس التوقيع الفوري على الخطة، لكنه فضّل مراجعة التفاصيل مع مستشاريه أولًا، على أن يُعقد اجتماع آخر في اليوم التالي لمواصلة المناقشات. لكن هذا الاجتماع لم يحدث أبدًا، حيث عاد عباس إلى رام الله لعرض الخطة على المسؤولين الفلسطينيين، ومع مرور الوقت، طُويت صفحة الاتفاق دون أن يتحقق شيء.
في طريق عودته، أعاد عباس رسم الخريطة من الذاكرة، فيما أصبح يُعرف لاحقًا باسم “خريطة المنديل”، إذ شاع أنها رُسمت على منديل ورقي خلال الاجتماع، رغم أن الحقيقة كانت مختلفة، حيث تمت إعادة تسجيلها لاحقًا على ورقة رسمية.
بين السياسة والواقع.. لماذا لم يُكتب للخطة النجاح؟
كانت فترة أواخر 2008 مليئة بالتوتر السياسي، إذ كان أولمرت يواجه تحقيقات فساد أجبرته على إعلان استقالته. من وجهة نظر القيادة الفلسطينية، جعل هذا الأمر من المستحيل الوثوق بقدرة أولمرت على تنفيذ اتفاق بهذا الحجم، حيث رأوا أن رئيس حكومة على وشك مغادرة منصبه لا يمكنه تقديم ضمانات طويلة الأمد.
في المقابل، لا يزال أولمرت يرى أن عباس ارتكب خطأً استراتيجيًا بعدم التوقيع، معتبرًا أنه لو وافق على العرض، لكان بإمكان الفلسطينيين الضغط لاحقًا على أي حكومة إسرائيلية جديدة لتنفيذه أو على الأقل تحميل إسرائيل مسؤولية التراجع عنه.
حرب غزة.. نهاية المسار الدبلوماسي
بعد أسابيع من اللقاء، تصاعد التوتر في قطاع غزة، ما أدى إلى اندلاع حرب “الرصاص المصبوب” بين إسرائيل وحركة حماس في ديسمبر 2008، ما زاد من تعقيد المشهد السياسي.
لاحقًا، أُجريت انتخابات إسرائيلية حملت بنيامين نتنياهو إلى السلطة، وهو المعروف بمواقفه المتشددة تجاه الفلسطينيين ورفضه القاطع لحل الدولتين، مما جعل أي عودة للمفاوضات أمرًا بعيد المنال.
هل لا تزال هناك فرصة لإحياء الحل؟
بعد سنوات من الجمود، عاد الجدل حول “خريطة أولمرت” مع الكشف عن تفاصيلها الأصلية في فيلم وثائقي جديد بعنوان “إسرائيل والفلسطينيون: الطريق إلى 7 أكتوبر”، الذي بثته هيئة الإذاعة البريطانية (BBC).
ومع أن كثيرين يرون أن رفض عباس للعرض كان خطوة حكيمة بالنظر إلى الظروف السياسية آنذاك، إلا أن البعض يراه فرصة نادرة أُهدرت، ربما لن تتكرر في المستقبل، في ظل استمرار التوسع الاستيطاني وتصاعد المواجهات المسلحة، ما يزيد من صعوبة تحقيق أي اتفاق مستقبلي.
ما بين السياسة والتاريخ.. هل تضيع الفرص إلى الأبد؟
يبدو أن التاريخ يُعيد نفسه في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث تُطرح فرص للسلام، لكنها تذهب أدراج الرياح قبل أن تتحول إلى واقع ملموس.
وبينما يظل حل الدولتين النظري حاضرًا في الخطابات السياسية، فإن الواقع يشير إلى أن كل فرصة تُفوت تجعل تحقيقه أكثر صعوبة، وربما يأتي يوم يُنظر فيه إلى “خريطة أولمرت” على أنها آخر محاولة حقيقية للسلام قبل أن يصبح الصراع غير قابل للحل.
اترك تعليقاً