1. كتاب وربة
  2. سباق التفوق في الذكاء الاصطناعي بين واشنطن وبكين

سباق التفوق في الذكاء الاصطناعي بين واشنطن وبكين

IMG 20250715 WA0042

بقلم: د.فاتن الدوسري_جامعة قطر

في 2019 قال الرئيس الصيني شى جين بينج أن الريادة التكنولوجية العالمية هي معركة الصين الرئيسية، وفى 2020 قال أحد مستشاري ترامب للشئون العلمية والتكنولوجية أن الولايات المتحدة لن تتنازل عن ريادتها التكنولوجية العالمية لأى قوى “ويقصد الصين” وستحارب لأجلها بكل قوة.

تتعدد دوائر صراع الحرب الباردة المستعمرة على الهيمنة الدولية بين بكين وواشنطن لكن الحرب التكنولوجية باتت أهم دائرة للصراع، وفى قلب هذه الدائرة أصبح سباق التفوق المحموم على الذكاء الاصطناعي.

أصبح صراع الهيمنة التكنولوجية أهم وأخطر صراع بين القوتين لأن الهيمنة التكنولوجية ببساطة العامل الحاسم للتفوق في باقي مجالات الصراع، أو قلب معادلة توازن القوة رأسا على عقب. ولما أصبح الذكاء الاصطناعي قلب الصراع التكنولوجي بين القوتين، والعنوان الرئيس للتكنولوجيا والتفوق فيها أيضا بصفة عامة؛ انقطعت أية بؤر للشك بأن الهيمنة على هذا السلاح الخطير باتت حاسما في كل شيء في الحياة وليس صراع الهيمنة بين القوتين فحسب.

الذكاء الاصطناعي وتقنياته المختلفة خاصة الحوسبة الكمية أصبح يمكن تكاملها في جميع المجالات والتقنيات والأدوات، بحيث تصبح ذات كفاءة وسرعة ودقة رهيبة، فإدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي في رصد وتحليل البيانات للأغراض الاستخباراتية-مثلا- يجعل الدول تعالج كم ملياري من البيانات في ثواني معدودة وتستخلص نتائج وتحليلات ذات دقة وموثقة فائقة.

وفى المجال العسكري، يتكامل الذكاء الاصطناعي في كل أدوات ومفاهيم وتقنيات الحرب والمعارك، بحيث تكون المخرجات مسيرات وروبوتات حربية ذات قدرات خارقة، وأنظمة دفاع صارخي شديدة الحساسية، وصواريخ ذات قدرات فائقة على التوجيه والمراوغة، وأنظمة وتقنيات لتعطيل قدرات الخصوم العسكرية ذات سرعة ودقة ومراوغة خطيرة.. وغيرها.

بدأت واشنطن حربها التكنولوجية في عهد ترامب فيما بات يعرف بالحرب التكنولوجية كرد فعل على التقدم المذهل الذى أحرزته بكين في المجال التكنولوجي خاصة عبر شبكة الجيل الخامس للشبكات هواوى، وعندما أعلنت بكين خطة (صنع في الصين 2025) استشعرت واشنطن بخطر شديد جدا على هيمنتها التكنولوجية ومنافستها العامة مع بكين أيضا، لأن الخطة في مجملها خطة طموحة لكى تحقق الصين الريادة التكنولوجية العالمية، إذ شملت الخطة دمج التكنولوجيا الفائقة بما في ذلك الذكاء الاصطناعي في جميع صناعات وقطاعات الصين حتى القطاع الطبي. ومن ناحية أخرى، أدرجت بكين في 2019 خطة تحديث شاملة لقوتها العسكرية تستند على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الفائقة التطور.

اتبعت واشنطن منذ ترامب مسارات متعددة لضمان الهيمنة التكنولوجية وتقويض التفوق الصيني في الوقت نفسه، وبدأت بحرب شرسة ضد شركات التكنولوجيا الصينية عبر حرمان التعامل معها أو دخولها السوق الأمريكي خاصة هواوى، ومنع دخول العلماء والطلاب الصينين المتخصصون في المجال التكنولوجي.

وفى عهد بايدن اشتدت هذه الحرب، وبدأت فعليا حرب الذكاء الاصطناعي، إذ لم تكتفى فقط باستمرار حظر التعامل مع الشركات الصينية، بل وقعت على خطة طموحة تتجاوز ميزانيتها 40 مليار لأجل تطوير مجال الذكاء الاصطناعي. كما أسست تحالفات دولية مع كبرى رواد التكنولوجيا من الدول والشركان كاليابان وأستراليا ومايكروسوفت وكوريا الجنوبية مثل تحالف Chip 4 لتعزيز التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي وحرمان الصين من أدواته وتقنياته وخاصة “الرقائق الإلكترونية”.

وفى ولاية ترامب الثانية، قد بدا أن حرب الذكاء الاصطناعي بين القوتين قد أخذ مرحلة أكثر تطورا وخطورة وهو ما تبدى في بوادر الصراع على “الموارد النادرة” العنصر الأساسي لصنع أدوات وتقنيات التكنولوجيا المتطورة والذكاء الاصطناعي. فمقابل هذه الموارد، أبدى ترامب استعداده لإبرام اتفاقية لإنهاء الحرب الأوكرانية لصالح روسيا مقابل الحصول على نصف الموارد النادرة لأوكرانيا، والغرض ليس فقط المكاسب المأهولة للموارد، بل لضمان التفوق الأمريكي في مجال الذكاء الاصطناعى وحرمان الصين منها. كما أن تهديدات ترامب باحتلال كندا وجرين لاند ليست بمعزل عن الموارد النادرة التي تتمتع بها الدولتين باحتياطات تقدر ب 60 تريليون دولار.

وعلى منحى آخر، تركزت معظم استثمارات دول الخليج الأخيرة في الولايات المتحدة التي قدرت بنحو 4 تريليون دولار حول الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتطورة بصورة عامة، وهذا يدعم التفوق الأمريكي ويحرم الصين في ذات الوقت من مليارات في الاستثمار في التكنولوجيا.

نافلة القول، من المؤكد أن تركيز القوتين في المستقبل سينصب بالكامل على التفوق في مجال الذكاء الاصطناعي، فالتفوق العسكري، وزيادة النفوذ السياسي والجيوسياسى العالمي، وإضافة مليارات الدولارات للاقتصاد، بل والهيمنة على الاقتصاد العالمي، بات كله مرتهن بمدى التقدم في الذكاء الاصطناعي. وبالقطع ستعكف القوتين على زيادة التفوق عبر وسائل سلمية عديدة من أهمها تخصيص المليارات سنويا لبحث وتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي.

لكن هذا لا يمنع من احتمالية منافسة جيوسياسية شديدة قد تتطور إلى مواجهة عسكرية بسبب الصراع على الموارد النادرة العنصر الأساسي الحاسم في التفوق التكنولوجي عامة.

اترك تعليقاً

رجوع إلى الأعلى