1. كتاب وربة
  2. سلطة الإعلام في قلب الحقائق وتشكيل المفاهيم: حين يُصبح الرأي معلومة والحقيقة وجهة نظر

سلطة الإعلام في قلب الحقائق وتشكيل المفاهيم: حين يُصبح الرأي معلومة والحقيقة وجهة نظر

بقلم: محمد مهلهل الياسين

في عصر الإعلام الحديث، لم تعد الحقيقة وحدها تكفي، بل باتت محاصرة بتقنيات التأثير، وأدوات التوجيه، وقوة التحكم بالعقول. أصبح الإعلام – خاصة الرقمي والمرئي – لا يكتفي بنقل الوقائع، بل يشارك في إعادة صياغتها وتفسيرها وتسويقها، بحيث تُقدَّم الصورة لا كما هي، بل كما يُراد لها أن تُفهم. وهكذا، تتجلى سلطة الإعلام في قلب الحقائق وتبديل المفاهيم، وصناعة وعي زائف يخدم مصالح متعددة، سياسية أو اقتصادية أو أيديولوجية.

أولًا: الإعلام لم يعد سلطة رابعة… بل أصبح سلطة أولى

كان يُقال إن الإعلام هو “السلطة الرابعة” التي تراقب وتحاسب وتكشف الحقائق. لكن في ظل التحولات الهائلة في تقنيات البث والاتصال، أصبح الإعلام اليوم:

  • مصدرًا لتشكيل القناعات لا فقط نقل الأخبار.
  • أداة توجيه جماهيري، تتلاعب بالرأي العام عبر التكرار والتضخيم أو الإخفاء.
  • شريكًا في السياسة والاقتصاد، لا مراقبًا عليهما فقط.

الخطورة لا تكمن فقط في الأخبار الكاذبة، بل في الأخبار “المنتقاة بعناية”، التي تُظهر جزءًا وتُخفي أجزاءً، وتعيد ترتيب الوقائع بحيث يتحول الجاني إلى ضحية، والمظلوم إلى متهم.

ثانيًا: كيف يقلب الإعلام الحقائق؟

  1. التحريف بالمحتوى

يتم استخدام مصطلحات مشحونة أو توجيهية لتلوين الخبر:

  • “قتل” يتحول إلى “قُتل أثناء اشتباك”.
  • “احتلال” يتحول إلى “نزاع”.
  • “قمع” يُعاد تعريفه بـ “فرض الأمن”.
  1. التحريف بالسياق

فصل حدث عن ظروفه وزمانه، ليبدو مختلفًا تمامًا. مثل بث مشهد عنف دون عرض أسبابه أو ما سبقه.

  1. التركيز الانتقائي

الإعلام يختار ما يُعرض وما يُهمل:

  • إبراز مظاهرة واحدة وإهمال أخرى.
  • تسليط الضوء على خطاب سياسي وتجاهل الرد عليه.
  1. التكرار والتضخيم

تكرار المعلومة يخلق “انطباعًا بالصدق”. فكلما تم عرض رواية واحدة مرارًا، تصبح “الحقيقة” في ذهن المتلقي، حتى لو كانت مغلوطة.

ثالثًا: صناعة المفاهيم الجديدة

لا يقتصر الأمر على تغيير الخبر، بل يمتد إلى تشكيل المفاهيم من الجذور:

  • المقاومة تُسمى إرهابًا.
  • التطبيع يُسمى انفتاحًا.
  • الخصخصة تُعرض على أنها إصلاح.
  • تفكيك الهوية يُسوَّق باعتباره حداثة.

الإعلام لا يغيّر فقط كيف نرى العالم، بل يغيّر معاني الكلمات التي نصف بها هذا العالم.

رابعًا: النتائج على الوعي الجمعي

  • تشوّه الإدراك العام للواقع.
  • غياب المرجعيات الثابتة للحقيقة.
  • سهولة التلاعب بالناس وتحريكهم ضد مصالحهم دون وعي.
  • انقسام المجتمعات بناء على روايات إعلامية لا وقائع حقيقية.

خامسًا: من يُسيطر على الإعلام… يُسيطر على الوعي

المعركة اليوم لم تعد على الأرض فقط، بل على الشاشات والمنصات. الجيوش الإعلامية تُعدّ أقوى من الجيوش العسكرية في أحيان كثيرة. وكل من

يملك منبرًا إعلاميًا، أصبح قادرًا على:

  • صياغة الرأي العام.
  • خلق أعداء وهميين.
  • التلاعب بالمفاهيم الأخلاقية والقانونية.
  • إسقاط القيم الجماعية وإعادة تشكيلها وفق أجندات خفية.

 

سادسًا: كيف نواجه هذه السلطة الناعمة؟

1.التحقق من الخبر والمصدر والسياق.

2.عدم الثقة المطلقة بأي منبر إعلامي دون مساءلة.

3.متابعة أكثر من مصدر لتكوين صورة متوازنة.

4.تعزيز الوعي النقدي والتفكير التحليلي داخل الأسرة والمؤسسات التعليمية.

5.دعم الإعلام المهني والمستقل الذي يلتزم بقواعد المهنة والحياد.

الإعلام ليس مرآة… بل عدسة تُشكّل الرؤية

في زمنٍ تغلب فيه الصورة على المعلومة، والصوت العالي على العقل، تصبح سلطة الإعلام أخطر من سلطة السلاح. فالحروب الحديثة تُخاض أولًا على شاشات الأخبار، والأكاذيب لا تُكذَّب بالحقائق، بل تُبطل بالعقول الواعية. ولهذا، فإن حماية الحقيقة تبدأ من وعيك أنت، لا من عدسة الكاميرا

اترك تعليقاً

رجوع إلى الأعلى