1. مقالات
  2. ظاهرة التحدث بالإنجليزية وادّعاء التحضّر: أزمة هوية لغوية

ظاهرة التحدث بالإنجليزية وادّعاء التحضّر: أزمة هوية لغوية

c19b940f c4ed 4418 a0a4 cf0f469b2a12

بقلم د. عيسى فلاح العازمي

في السنوات الأخيرة، تفشّت ظاهرة استخدام اللغة الإنجليزية بين العرب، خاصة في المجتمعات الخليجية، بشكل لافت يصل أحيانًا إلى درجة التكلّف والتصنّع، حتى غدت اللغة الأجنبية معيارًا عند البعض لقياس مستوى التحضّر والرقي والثقافة. ترى الشاب أو الفتاة يُقحم كلمات إنجليزية وسط حديثه العربي دون حاجة حقيقية، بل أحيانًا دون فهم دقيق لمعناها، وكأن اللغة الأم لم تعد كافية للتعبير عن الأفكار والمشاعر.

لكن، هل فقدنا الثقة في لغتنا؟ أليست العربية هي لغة القرآن، ولغة البيان والفصاحة، ولغة أمةٍ امتدّ مجدها من المحيط إلى الخليج؟
في كل دول العالم، تَفخَر الشعوب بلغاتها، وتَعتبرها جزءًا من هويتها الوطنية والثقافية. الياباني لا يتحدث إلا بلغته، والفرنسي يُقاتل لأجل لغته، والصيني يُترجم العالم بلغته. أما نحن، فنتراجع عن لغتنا وكأنها عبء يجب التخلص منه.

والعجيب أن الحضارة العربية والاسلامية قديمًا لم تُبْنَ إلا حين تمسّكوا بلغتهم ودينهم، فكانوا قادة الفكر والعلم والعمران. كانوا يعرفون الدين والأصل، وتفاخروا به، فبنوا حضارة امتدت قرونًا، نقلت العالم من الجهل إلى النور. أما اليوم، فقد تغيّر الحال؛ كثيرون لا يهتمون بالدين، ولا يعتزون بالتراث، بل يسعون للانسلاخ منه، ويتباهون بالانتماء للغرب لفظًا وثقافة، وكأن في ذلك فوزًا أو تقدمًا!

الخطير في هذه الظاهرة ليس مجرد استخدام لغة أجنبية، فالتعدد اللغوي أمر صحي ومطلوب، لكن الخطر في ربط اللغة الأجنبية بمفهوم “الرقي” و”الفهم” و”الثقافة”، وكأن من لا يتحدث بها أقل شأنًا أو وعيًا.

إن الأمة التي تهجر لغتها، تهجر معها تراثها وفكرها وقيمها. اللغة ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي حامل للهوية والانتماء والوجدان. والاعتزاز بالعربية ليس تعصبًا، بل وعيٌ بأصلنا وامتدادنا الحضاري.
فالعربية ليست مجرد لغة؛ إنها وعاء الوحي، ولسان الحضارة الإسلامية، ومفتاح لفهم القرآن والسنة وتراث الأجداد.

إننا بحاجة إلى إعادة الاعتبار للغتنا، لا بمنع تعلم اللغات الأخرى، ولكن بغرس الفخر بالعربية في نفوس أبنائنا، وربطها بالتقدم والاعتزاز، لا بالرجعية والتخلف كما يحاول البعض تصويرها.
اللغة هوية، ومن ضيّع لغته، ضاع بين الأمم.

 

اترك تعليقاً

رجوع إلى الأعلى