«واشنطن تقود مفاوضات خفية» هل اقتربت نهاية الفوضى في سوريا؟

وسط الخراب الذي خلّفته سنوات الحرب في سوريا، وبين ركام المدن التي شهدت تحولات كبرى، تتحرك خيوط السياسة في الخفاء، حيث تتقاطع المصالح وتتبدل الولاءات في رقعة شطرنج معقدة.
هناك، خلف الكواليس، تلعب واشنطن دور الوسيط بين أطراف كانت حتى وقت قريب على طرفي نقيض، محاولة إعادة ترتيب المشهد وفق رؤيتها، في مسعى يهدف إلى تثبيت أقدامها في أرض لم تهدأ صراعاتها يومًا. وفي هذه اللحظة المفصلية، يصبح لكل خطوة دلالاتها، ولكل اتفاق انعكاساته، فيما يظل السؤال معلقًا: هل تقود هذه التحركات نحو سلام مستدام، أم أنها مجرد هدنة مؤقتة قبل جولة جديدة من الصراع؟
جهود أمريكية لتحقيق الاستقرار
تشير “وول ستريت جورنال” الأمريكية في تقرير لها اليوم إلى أن القوات الأمريكية تلعب دورًا دبلوماسيًا غير معلن في سوريا، حيث تسعى إلى التوسط بين الفصائل المسلحة والحكومة الجديدة في دمشق.
وأكد ضباط أمريكيون أن هذه الجهود تهدف إلى تجنب تصاعد الصراع الداخلي وضمان دور أمريكي في تشكيل مستقبل سوريا.
الحكومة الجديدة والقوات الكردية
عملت القوات الأمريكية على تسهيل الحوار بين الحكومة السورية الجديدة والفصائل الكردية بقيادة قوات سوريا الديمقراطية (SDF)، التي تسيطر على مناطق واسعة في الشمال الشرقي من البلاد. هذه الوساطة تأتي في إطار الجهود الأمريكية الرامية إلى تحقيق الاستقرار بعد انهيار نظام بشار الأسد.
لم يقتصر الدور الأمريكي على الشمال السوري، بل امتد ليشمل مناطق الجنوب، حيث شجعت واشنطن فصيل الجيش السوري الحر، المدعوم أمريكيًا، على التوصل إلى تفاهم مع الجماعات الإسلامية التي أطاحت بنظام الأسد.
أهداف واشنطن
يهدف الدور الأمريكي إلى منع نشوب حرب أهلية جديدة قد تعرقل جهود القضاء على تنظيم داعش، الذي لا يزال ينشط في المناطق الصحراوية بسوريا. كما تسعى واشنطن إلى الحفاظ على نفوذها في المشهد السياسي السوري عبر دعم الفصائل الحليفة.
رفضت القيادة المركزية الأمريكية التعليق على دورها في هذه المفاوضات، بينما لم تصدر الحكومة السورية ولا قوات سوريا الديمقراطية أي بيان رسمي حول الوساطة الأمريكية. في المقابل، رحبت وسائل الإعلام الرسمية السورية بالاتفاق، معتبرة أنه خطوة لمنع تقسيم البلاد.
الموقف الأميركي من الحكومة الجديدة
رغم الجهود الدبلوماسية، لا تزال الإدارة الأمريكية حذرة تجاه الحكومة الجديدة، التي تضم شخصيات من جماعة “هيئة تحرير الشام”. ورغم أن هذه الجماعة قطعت علاقاتها مع تنظيم القاعدة، إلا أن بعض المسؤولين الأمريكيين لا يزالون يشككون في نواياها.
كانت إدارة بايدن قد بدأت في الانفتاح على الحكومة الجديدة في دمشق، لكن إدارة ترامب أعادت فرض قيود على هذا التواصل، مع الإصرار على تشكيل حكومة أكثر شمولية وغير طائفية.
زيادة الوجود العسكري الأمريكي
تحتفظ الولايات المتحدة بنحو 2000 جندي موزعين على ثماني قواعد في سوريا، وهو ضعف العدد المعلن سابقًا. جاء ذلك بعد تعزيز الوجود العسكري الأميركي مع انهيار نظام الأسد وانسحاب القوات الإيرانية والروسية من بعض المناطق.
استغلت الولايات المتحدة الانسحاب الروسي والإيراني لشن ضربات جوية مكثفة ضد تنظيم داعش وجماعة “حراس الدين”، الفرع السابق للقاعدة في سوريا، والتي أعلنت حل نفسها في يناير الماضي.
تهديد الانسحاب الأميركي كورقة ضغط
شكل احتمال انسحاب القوات الأمريكية عامل ضغط على قوات سوريا الديمقراطية لدفعها إلى الاتفاق مع الحكومة السورية الجديدة. وأكد مسؤولون أمريكيون أن التهديد بالانسحاب ساهم في تسريع المفاوضات.
تم توقيع الاتفاق بين الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية، الجنرال مظلوم عبدي، بعد ثلاثة أشهر من التوترات، ما سمح بعودة مساحات واسعة إلى سيطرة الحكومة.
وساطة أمريكية حاسمة لإنجاح الاتفاق
لعبت القوات الأمريكية دور الوسيط بين الطرفين، حيث أجرت جولات متكررة من المحادثات حتى تم التوصل إلى اتفاق نهائي. وأشارت مصادر عسكرية إلى أن التحالف الدولي نقل عبدي جوًا إلى دمشق للتوقيع على الاتفاق.
يعد إدماج قوات سوريا الديمقراطية في هيكل الحكومة الجديدة مكسبًا هامًا، لا سيما بعد المواجهات الأخيرة بين القوات الحكومية وبقايا النظام السابق.
الوجود الأمريكي يضمن النفوذ في سوريا
أكد مسؤولون عسكريون أمريكيون أن هذا الاتفاق يساعد في الحفاظ على قدرة واشنطن على تنفيذ العمليات العسكرية في سوريا.
وأشاروا إلى أن روسيا وتركيا لديهما شركاء في سوريا، وإذا فقدت الولايات المتحدة شركاءها، فقد تفقد قدرتها على تنفيذ الضربات الجوية والاحتفاظ بموقعها في المعادلة السياسية.
اترك تعليقاً