الواسطة: حق اجتماعي أم جريمة في حق الوطن ؟

بقلم: د. خالد الهيلم الزومان
لا تكاد تخلو بيئة عمل أو تعليم في مجتمعاتنا من “الواسطة”، حتى غدت مشهدًا مألوفًا، يتراوح بين من يراها تضامنًا اجتماعيًا مشروعًا، ومن يراها جريمة تُقوّض أسس العدالة وتُفرّغ المؤسسات من كفاءتها. والسؤال الذي ينبغي أن يُطرح بجرأة: هل الواسطة حق اجتماعي؟ أم خرق للقانون وسلوك فاسد يجب تجريمه؟
حين تتحول المجاملة إلى جريمة
في مؤسسات التعليم، تتسلل الواسطة تحت ستار “ساعد ولدنا” و نبي نرفعه ، مانبي معدله يتأثر “، حتى صار الطالب لا يعتمد على نفسة واجتهاده بل على اتصالات أهله، ولا يرى في التفوق نتيجة للكدّ بل ثمرة للمجاملات. هذه ليست مجرد تجاوزات، بل هي خيانة للأمانة التربوية، وتشويه لمبدأ الجدارة، وغش مقنّن يُسهم في تراجع مستوى التعليم.
دراسات دولية، منها تقرير الشفافية الدولية (2022)، تؤكد أن المحسوبية في التعليم من أخطر مظاهر الفساد الإداري، وتؤدي إلى تراجع الثقة بالمؤسسات، وتخريج كفاءات وهمية لا تصمد أمام المنافسة.
متى تكون الواسطة مقبولة؟
التمييز هنا ضروري: ليست كل وساطة فسادًا.
الواسطة المشروعة هي ما يتم في إطار القانون، لتيسير معاملة نظامية، أو لتسليط الضوء على كفاءة حقيقية لا تحظى بفرص عادلة. وهي لا تُطالب بتجاوز القوانين، ولا تُمنَح على حساب الآخرين.
أما الواسطة الفاسدة فهي منح وظيفة أو درجة أو فرصة لشخص غير مستحق، وحرمان آخر أكثر كفاءة فقط لأنه لا يملك “ظهرًا”. وهذه هي الواسطة التي تُفسد المؤسسات، وتزرع الإحباط، وتُخرّب معنى العدالة.
الواسطات في التعليم… مسؤولية من؟
نحن – كأساتذة – لا نملك رفاهية الصمت. نحن أمام خيار أخلاقي حاسم: إما أن نكون حماة للعدالة، أو أدوات لتضليل المجتمع. كل تهاون في منح الدرجة أو تقييم الطالب بناء على طلب “الواسطة” هو مشاركة مباشرة في صناعة الفساد.
أثرها على الوطن
الواسطة لا تظلم الأكفاء فحسب، بل تضرب الثقة في الدولة، وتُكرّس الشعور باللاجدوى، وتدفع بالكفاءات للهجرة، وتُنتج مؤسسات مشلولة لا تقوى على الإنجاز.
تقرير اليونسكو (2019) حذر من أن غياب النزاهة في التعليم يُهدد التنمية، ويُعمّق الفوارق الاجتماعية، ويُضعف الانتماء الوطني.
نداء إلى الدولة
نحن بحاجة إلى موقف حاسم:
تجريم الواسطة الغير مستحقة، ووضع نصوص قانونية صريحة تعاقب من يطلبها، ومن يمارسها، ومن ينتفع بها. لا بد من تحصين المؤسسات – خاصة التعليمية – من هذه السلوكيات التي تُهدد مستقبل الأجيال وتضرب هيبة القانون.
خاتمة
الواسطة ليست “حقًا اجتماعيًا”، بل هي خرقٌ لحقوق الآخرين.
ولا وطن يُبنى بالعلاقات دون كفاءة، ولا تعليم يُنهض بالأمم إن كان مدخله الغش، ومخرجه اللامبالاة.
المصدر | جريدة أكاديميا
اترك تعليقاً