وليمة الروح

بقلم: عبدالجبار الخليوي – كاتب وروائي وصاحب العديد من الإصدارات الأدبية
الكتاب ليس صفحاتٍ مطبوعة فحسب، بل كائنٌ حيٌّ يضيء لنا الدروب في عتمة الأيام، وكل كتاب نافذة مفتوحة على عالمٍ آخر، يمدّ يدًا من ورق ليأخذنا إلى فضاءاتٍ أرحب، يعلّمنا أن للحروف أجنحة، وللأفكار حياة، وللروح غذاء لا يُحصى.
الكتاب، هو الرفيق الذي لا يخون، والمعلم الذي لا يشيخ، والصديق الذي يطيل الإصغاء مهما طال بنا الصمت.
وحين تنعقد معارض الكتب، يتحول الورق إلى احتفالٍ بالحياة نفسها، تتجاور أصوات الشعراء مع همسات الفلاسفة، وتلتقي ابتسامات القرّاء مع دهشة الأطفال، فتغدو القاعات مثل بساتين ممتدة، كل عنوان فيها زهرة، وكل جناحٍ منها شجرة مثقلة بالثمار، هناك لا نشتري كتابًا وحسب، بل نشتري زمنًا آخر نعيشه، وحكاية جديدة نُضيفها إلى حكاياتنا.
ومعرض الرياض الدولي للكتاب 2025 يطلّ هذا العام بهيبةٍ خاصة تحت شعارٍ صادق: الرياض تقرأ.
وفي فضاء المعرض تمتد جسور من محبةٍ ومعرفة، فتلتقي الثقافات وتتصافح اللغات، ويقف القارئ أمام آلاف العناوين كأنه أمام بحرٍ بلا شاطئ، يدخل المعرض متأملًا، ويخرج منه محمَّلًا بالكتب وبالذكريات معًا، وكأنه خرج من رحلةٍ في قافلةٍ عابرة للأزمنة.
أما التسوق فيه فليس مجرد تبضّع، بل فعلٌ من أفعال القلب؛ تختار بعينيك وتترك لروحك أن تقول لك: هذا الكتاب لك. ولعل أجمل ما في التجربة أن تدرك أن كل كتاب تلتقطه إنما كان ينتظرك، وأن كل خطوة بين الأجنحة هي اقتراب من حياةٍ جديدة تسكن في صفحات، فالمعرض ليس مكانًا للبيع والشراء فحسب، بل وليمة للروح، وكرنفالٌ للحبر، وحكاية تقول لكل زائر: اقرأ.. كي تحيا أكثر من حياة.
اترك تعليقاً